السبت، 22 نوفمبر 2014

"ابتدأت الكتابة بعبد الحميد ، واختتمت بابن العميد"



"ابتدأت الكتابة بعبد الحميد ، واختتمت بابن العميد"
هذا ما يكاد يُجمع عليه مؤرخو الأدب والنقاد ؛ لِما لعبد الحميد الكاتب من فضْلٍ في نضج النثر الفنِّي العربي واكتماله فقد توسَّعت على يديه أغراض الرسائل لتشمل أغراضًا أخرى كانت خاصَّة بالشعر : كالتَّهنئة والتَّعزية والنُّصح والوصف وغير ذلك .. وكان أسلوبه يقوم على السُّهولة والوضوح ، والإكثار من التَّحميدات ، والإطناب ، والازدواج ، وقِصَرِ الفواصل والجُمَل .. فشهد له بالتمكُّن والبراعة والإبداع معاصروه ومَن أتى بعدهم إلى يومنا هذا ، وبقي له أثر في الكُتَّاب رَدْحًا طويلاً من الزَّمن .. شهد عبد الحميد الكاتب سقوط الدولة الأموية على يد العباسيِّين ، فلقد كان كاتبَ مروانَ بن محمد آخرالخلفاء الأمويين ، واضطر إلى أن يهرب معه إلى مصر ، ورفض أن يتركه وحده وينجو هو بنفسه . قال له مروان : إن إعجابهم بك يدعوهم إلى حُسْنِ الظَّنِّ فيكَ فاستأمِنْ لهم وأظْهِر الغَدْر بي ، فبذلك تنفعني في حياتي أو بعد مماتي 

ففال عبد الحميد : 
أسِرُّ وفاء ًثم أظْهِر ُغَدْرةً . 
فمَنْ لي بعُذْرٍ يُوسِع الناس ظاهرهْ . .
يا أمير المؤمنين إن الذي أمرتَني به أنفعُ الأمريْن لك ، وأقبَحُهُما بي ، ولكنَّني سأصبر حتى يفتحَ الله عليك أو أقْتلَ معك 

فأصرَّ الخليفة على رأيه ، فتوارى عند صديقه وتلميذه عبد الله بن المقفع في البحرين ، فاكتشفه العباسِيُّون ولما وصل المكلَّفون بالقبض عليه إلى البيت ، سألوهما وهم شاكو السِّلاح: مَن منكما عبد الحميد ؟ فقال كلٌّ منهما أنا عبد الحميد ضنَّا بصاحبه من القتل ، وهمَّ الجند أن يقتلوا ابن المقفع فصاح عبد الحميد : إِّن لكلٍّ منا علامات فاسألوا مَن أرسلكم عنها ،فعادوا بأوصافه فعرفوه بها ، وقتلوه مأسوفًا عليه من الأدباء والكتاب جميعا ..

 عندما كان عبد الحميد متواريًا مع الخليفة في مصر كتب لأهله رسالة مُؤثرة يقول فيها : 


" أما بعد فإن الله تعالى جعل الدنيا محفوفةً بالمكاره والشرور ، فمَن ساعده الحظُّ فيها سَكَنَ إليها ، ومن عَضَّتْهُ بنابِها ذمَّها ساخطًا عليها .. وقد كانت أذاقتْنا أفاويقَ استَحْلبناها ، ثم جَمَحَتْ بنا نافرةً ، ورَمَحتنا مُولِّيةً .. فأبعدتنا عن الأوطان ، وفرَّقتنا عن الإخوان ، فالدار نازحة ، والطيْر بارحة ، وقد كتبتُ والأيام تزيدنا منكم بُعدا ، وإليكم وَجْدا ..نسأل الله الذي يُعزُّ مَن يشاء ، ويُذِلُّ مَن يشاء أن يَهَبَ لنا ولكم ألفةً جامعةً في دار آمنةٍ ، تجمع سلامة الأبدان والأديان فإنه ربُّ العالمين وأرحم الراحمين 
نظرتُ إلى صديقي فوجدت عينيه مغرورقتين بالدموع ، فلم أنبسْ بِبِنْتِ شَفَةْ .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق